المقدمـــــــــــــــــــه
باتت حرب الأفكار والغزو الثقافي والفكري يشكل تياراً جارفاً يهدد المجتمعات المسلمة ، لصرف المسلمين عن دينهم ومسخ هويتهم وتغيير انتماءاتهم ، مما يفتت الأمة ويضعفها ويبعدها عن واقعها ويشغلها بنفسها .فليس مبالغة في القول إذا قررنا أن ما تعانيه أمتنا من هزائم فكرية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، هو نتيجة حتمية لتدمير الشخصية الإسلامية عقدياً وثقافياً وسلوكياً، بسبب الغزو الفكري الذي يعمل على أن تصبح مسخاً تابعاً لغيره ، يؤمر فيطيع ويُقاد فينقاد ، ووسيلتهم في تحقيق ذلك الخداع والتمويه وقلب الحقائق وتشويه الوقائع عن طريق تصنيع الكلمة، وزخرفة القول، والدخول إلى المخاطب، من نقطة ضعفه ، والإيقاع به، والإيحاء إليه بسلامة الفكرة، وصحة المفهوم المزيف الذي تحمله كلمات الغزو. لقد كان الغزو الفكري موجوداً في كل جيل وفي كل عصر ، وله في كل مصر دوراً تخريبياً مدمراً ، إلا أن البشرية لم تشهد قط زمناً كان فيه للغزو الفكري خبراء، ومنظرون ، وأجهزة ، ومؤسسات ، ووسائل إعلام كعصرنا هذا، حيث صار للغزو الفكري صبغة الفلسفة، والنظرية، والمبدأ، الذي يعتنقه الأتباع، ويدافعون عنه، وينقادون له.
ولذا كان أثره في الأمم والمجتمعات ، أشد فتكاً من تأثير المدفع والصاروخ والطائرة، وقد ينزل إلى الميدان، ويعظم خطره، حين تخفق وسائل الحديد والنار، في تحقيق الهدف، والوصول إلى الغاية .
والخطر الذي يمثله هذا الغزو أكثر بكثير من قتل الأفراد، بل من قتل جيل بأسره ، إذ يتعدى ذلك إلى قتل أجيال متعاقبة والقضاء عليها قبل أن تولد إنه داء عضال يفتك بالأمم، ويُذهب شخصيتها، ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها، والأمة التي تُبتلى به لا تحس بما أصابها ولا تدري عنه ولذلك يصبح علاجها أمراً صعباً وإفهامها سبيل الرشد شيئاً عسيراً.
ومصطلح الغزو الفكري يعني : الإغارة على أمة من الأمم إغارة ثقافية بأسلحة فكرية ، للهيمنة على عقول أفرادها وزعزعة الثوابت التي ينطلقون منها والتشويش على أفهامهم مما يدمر قواها الداخلية ، ويحطم مقوماتها. والفرق بين الغزو الفكري،
والغزو العسكري: أن الغزو العسكري يأتي للقهر وتحقيق أهداف استعمارية، دون رغبة الشعوب المستعمرة، أما الغزو الفكري فهو لتصفية العقول، والأفهام، لتكون تابعة للغازي. ولذا، فهو أشد فتكاَ وضرراً من الغزو العسكري لأن الأمة المهزومة فكرياً ، تنقاد إلى غازيها طواعية ، وتسلم رقبتها إلى جزارها عن رضا وقناعة بل وعن حب ومودة ، دون أن تفكر بالتمرد أو تسعى في سبيل الخلاص.ومما يجدر التنبيه عليه أن هناك من ينكر وجود الغزو الفكري ، ويعتبر الحديث عنه مجرد وهم لأنه يتصور أن عالم اليوم : وطن واحد لحضارة واحدة، اسمها : (حضارة العصر) أو (الحضارة العالمية) أو (الحضارة الإنسانية) ويتصور أن الأمم والشعوب والقوميات مجرد درجات ومستويات في البناء الواحد، لهذه الحضارة الواحدة.
ومن ثم فليس في هذا التصور حدود تميز الأوطان . ولهذا فإن عبور الفكر عبر الحدود ليس فيه عندهم شبهة (غزو) ولا أثر (عدوان). وهذا التصور يُروَّجُ له الآن بشتى الأساليب، فثمة دعوة إلى (فكر عالمي) وهناك دعاوى إلى اعتبار الحضارة الحديثة (حضارة عالمية).
استهداف الشباب لماذا؟
لأنهم ثروة الأمة وأملها بعد الله في تحقيق أهدافها ... وهم أكثر قواها البشرية عطاءً وخصوبة ً ونفعاً ... والشباب هو سن العلم والعمل والجهاد والإنتاج ... لو استطلعنا تاريخ الأمة لوجدنا أن إنتاج المسلمين في مختلف مجالات العلم وفنونه كان ثمرة للعمل الجاد في وقت اليفاعة والشباب . لأن الشباب لا يتردد في بذل أنفس ما يملك للدفاع عما يعتقد سواء كان خيراً أم شراً ." عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الحق ، وتنهَّد رؤساء مكة يحاربون دعوته ويصدون عن سبيل الله ، كان الشباب في طليعة المستميتين في هذا الصراع في كلا الطرفين : طرف الحق وطرف الباطل. فكان شباب الكفار يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصبون على أصحابه أنواعاً من العذاب والتنكيل بتحريض من كبرائهم . ومقابل ذلك أكثر الذين تولوا نصرة الحق والذود عن حياضه هم من الشباب الذين آمنوا بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فتناهوا في الاستماتة والتضحية في سبيلها.
أسباب الغزو الفكري :
§ أولاً: كره الإسلام والمسلمين: قال تعالى {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } ، وقال { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } . يذكر أهل السير أن الجيوش الأوروبية الصليبية لما هاجمت بلاد الإسلام كانت مدفوعة إلى ذلك بدافعين:
ü الدافع الأول: دافع الدين، والعصبية العمياء، التي أثارها رجال الكنيسة، في شعوب أوروبا، مفترين على المسلمين أبشع الافتراءات، محرضين النصارى أشد تحريض على تخليص مهد المسيح من أيدي الكفار ـــ أي المسلمين.
ü والدافع الثاني: دافع سياسي استعماري، حيث سمع ملوك أوروبا بما تتمتع به بلاد المسلمين من حضارة، وثروات، فجاءوا يقودون جيوشهم باسم المسيح، وما في نفوسهم إلا الرغبة في الاستعمار والفتح . وبعد مضي أكثر من قرنين من حروب دامية، اشتد وطيسها، بين كتائب الإيمان وبين جحافل الشر ، ارتدت الحروب الصليبية على أدبارها ، بعد أن باءت بالإخفاق والهزيمة، وبعد أن وقع القديس (لويس التاسع) قائد الحملة الصليبية الثامنة، وملك فرنسا أسيراً في مدينة المنصورة في مصر ، ثم خلص من الأسر بفدية، ولما عاد إلى فرنسا، أيقن أن قوة الحديد والنار لا تجدي نفعاً مع المسلمين الذين يملكون عقيدة راسخة، تدفعهم إلى الجهاد، وتحضهم على التضحية بالنفس والنفيس . وكان لابد من تغيير المنهج والسبيل، فكانت توصياته: أن يهتم أتباعه بتغيير فكر المسلمين، والتشكيك في عقيدتهم وشريعتهم، وذلك بعد دراستهم الإسلام لهذا الغرض، وصارت قاعدتهم التي ارتكزوا عليها: (إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره ينتحر به ، ومن ثم تستعبده) . (الغزو الفكري» د. أحمد السايح: 51 ضمن سلسلة منشورات كتاب الأمة العدد(38) ط. قطر ). وهكذا تحولت المعركة من ميدان الحديد والنار إلى ميدان الفكر، لأن القضاء على الإسلام أو تحويل المسلمين عن دينهم، لا يمكن أن يأتي عن طريق القوة والغزو المسلح. فبدأت حركة الغزو الفكري بالعمل على ترجمة معاني القرآن ودوواين والسنة ومصنفات المسلمين في شتى الفنون ، للبحث عما توهموه ثغرات يدخلون منها إلى إثارة الشبهات ، وقد أعلنوا صراحة أن الإسلام هو عدوهم الأول، وأن أكبر غاية لهم هي ضرب وهدم قواعده . يقول (وليم غيفورد لغراف) الإنجليزي المسمى بالحرباء: الكلمة المشهورة التي يلخص فيها عداء الغربيين للإسلام: (متى توارى القرآن، ومدينة مكة، عن بلاد العرب، يمكننا أن نرى العربي، يندرج في سبيل الحضارة، التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه). وقال (جلاد ستون ) أحد رؤساء وزراء بريطانيا : (ما دام القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان). ويرى غاردنر: (أن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا). ويوضح هذا العداء، ويذكر بعض أسبابه المستشرق (بيكر)، فيقول: (إن هناك عداءاً من النصرانية للإسلام، بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى، أقام سداً منيعاً في وجه الاستعمار، وانتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها). ويقول في هذا المعنى (لورانس براون) : (إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي) ويقول : ( أن خطر المسلمين هو الخطر العالمي الوحيد في هذا العصر، الذي يجب أن تجتمع له القوى، ويُجَيَّشُ له الجيوش، وتلتفت إليه الأنظار ) . ويحكي عن بعض المبشرين قولهم : (إن القضية الإسلامية تختلف عن القضية اليهودية، إن المسلمين يختلفون عن اليهود في دينهم، إنه دين دعوة، إن الإسلام ينتشر بين النصارى أنفسهم، وبين غير النصارى، ثم إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوروبا - كما يراه المبشرون - والمسلمون لم يكونوا يوما ما أقلية موطوءة بالأقدام). . ثم يقول: (إننا من أجل ذلك نرى المبشرين، ينصرون اليهود على المسلمين في فلسطين، لقد كنا نُخَوَّف من قبل بالخطر اليهودي، والخطر الأصفر (اليابان والصين) وبالخطر البلشفي( الاتحاد السوفياتي )، إلا أن هذا التخويف كله لم نجده ولم يتحقق كما تخيلناه، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد، ثم رأينا البلاشفة حلفاء لنا، أما الشعوب الصفر، فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة، تتكفل بمقاومتها، ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام). واستمر كره الإسلام في نفس الرجل الأوروبي طيلة القرون السابقة وحتى هذا العصر وبات يخيم عليهم كسحابة سوداء لا تفارقهم ، فعندما دخل اللورد (اللنبي) القدس عام 1918 م أعلن: (الآن انتهت الحروب الصليبية) وكذلك كان مسلك الجنرال الفرنسي (غورو) قائد الجيش الفرنسي في دمشق حين ذهب إلى قبر صلاح الدين، وترجل إلى القبر، وقال قولته المشهورة: (نحن هنا يا صلاح الدين) وفي اليوم التالي ذهب إلى حمص ، ووقف عند قبر خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال: (نحن هنا يا خالد). تقول الدكتورة (آنا ماري شميل ) عميدة الاستشراق الألماني للعلوم الإسلامية: لكم يبدو لي أحياناً أنّ خوف الأوربيين من الزحف التركي (الإسلامي) مازال عالقاً بذاكرتهم التي لم تنس وقوف الترك مرتين أمام أبواب فيينا عامي 1529 و1683م كأنّ ذلك الخوف الدفين لم تخب ناره، فتراه يصبغ سلوك كثير من الناس إزاء دين الترك الذي هو دين العرب والفرس ومسلمي شبه القارة الهندية. ( نقلاً عن كتاب «الإسلام كبديل» د. مراد هوفمان: 17. ويجدر هنا التذكير بأنّ فيينا قد احتفلت شهراً كاملاً في شهر مايس (مايو) 1983م بالذكرى الثلاثمائة لتراجع الترك (المسلمين) من أمام أبوابها ) .
§ ثانياً : الضعف الفكري لدى المسلمين :
بسبب بعدهم عن هدي الوحيين المعصومين ( الكتاب والسنة ) وسيطرة الجمود والتقليد ، والانبهار بحضارة الغرب والركون إلى الدنيا . ثم جاء التفكك الاجتماعي نتيجة حتمية للضعف الفكري، لأن الضعف الفكري لا يكشف للإنسان مخاطر الانزلاق في الهاوية . ومجتمعاً كهذا لا بد وأن يتعرض لسيطرة المتربصين به. إن أي أمة تضعف في أفكارها، ولا تعرف إلا القشور من أمرها، وتعيش في تناحر وتمزق، لا بد وأن تسقط، وينال منها من كان يهابها.
§ ثالثاً : تخلف الشعوب الإسلامية عن ركب الحضارة:
إن المجتمعات الإسلامية، حين أصابها الضعف الفكري، والتفكك الاجتماعي، انشغلت بالتافه من الأمور ، فقادتها التفاهة إلى التخلف عن ركب العلم، والتقدم، والحضارة. . وكان وضع البلاد الإسلامية، كما صوره شاعر تركيا محمد عاكف: (يسألني الناس أنك كنت في الشرق مدة طويلة. فما الذي شهدت يا ترى، وما عسى أن يكون جوابي ؟ إنني أقول لهم: إنني رأيت الشرق من أقصاه، فما رأيت إلا قرى مقفرة، وشعوباً لا راعي لها، وجسوراً متهدمة، وأنهاراً معطلة، وشوارع موحشة، رأيت وجوها هزيلة متجعدة، وظهورا منحنية، ورؤوساً فارغة، وقلوباً جامدة، وعقولاً منحرفة. رأيت الظلم، والعبودية، والبؤس، والشقاء، والرياء، والفواحش المنكرة المكروهة، والأمراض الفاشية الكثيرة، والغابات المحرقة، والمواقد المنطفئة الباردة، والحقول السبخة القاحلة، والصور المقززة، والأيادي المعطلة، والأرجل المشلولة. رأيت أئمة لا تابع لهم، ورأيت أخاً يعادي أخاه، ورأيت نهاراً لا غاية له، ولا هدف، ورأيت ليالي حالكة طويلة، لا يعقبها صباح مسفر، ونهار مشرق). هذا التخلف أضعف الثقة بالنفس، وأوقف عجلة التقدم والانطلاق لدى الشعوب المسلمة، وجعلها تعتمد في كل شيء على غيرها والرضا بالتبلد والخمول وموت الهمة. ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام.
§ رابعاً: اتهامهم للقوانين والنظم الإسلامية، بأنها لم تحظ بإجماع المسلمين عليها، في عصر من العصور.
§ خامساً: اتهامهم لها بأنها تتجاهل الأقليات غير الإسلامية ، في ظل الدولة الإسلامية. وهذه التهم قد أطلقها أعداء الإسلام من غير المسلمين، وشاركهم في إطلاقها بعض المسلمين المخدوعين بالفكر الغربي.
مظاهر الغزو الفكري:
حملات التشويه: التي مست كل ما يتصل بالإسلام من عقائد، ونظم، وتراث، وتاريخ، وفكر، وحياة.
1 ـــ فهناك محاولة تشويه عقائد المسلمين، بغير سند ولا دليل. يقول رينان الفرنسي، وهو يصور عقيدة التوحيد في الإسلام : (بأنها عقيدة تؤدي إلى حيرة المسلم. كما تحط به كإنسان إلى أسفل الدرك).
2ـــ محاولة تشويه القرآن الكريم . يقول المستشرق جب: (إن محمداً قد تأثر بالبيئة التي عاش فيها، وشق طريقة بين الأفكار والعقائد الشائعة في بيئته، فالقرآن من صنع محمد ومن ملاءمات هذه البيئة التي عاش فيها) . كانت الخطوة الأولى التي قام بها الأب ( بطرس المبجّل ) أن رعى أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللاتينية فأنجزت عام (1143م )معلناً هدفه من عمله هذا قائلاً : إنّ نقطة البداية في حرب الإسلام هي القرآن. وقد شكّلت هذه الترجمة الأساس في مجال الدراسات الإسلامية بأوربا الغربية. كتب المستشرق الفرنسي «أ. م. هذي» يقول: إنّ هذه الترجمة وكل الترجمات التي تلتها لم يكن لها أيّ هدف آخر سوى أن تكون الأساس لتوجيه المزيد من الإدانات ضد القرآن، تلك الإدانات التي امتدّت سلسلتها على مدى قرون تتناثر عليها بعض أشهر الأسماء. لقد خطا (بطرس ) الخطوة الأُولى في هذا الاتجاه وقام بما لم يستطع غيره أن يقوم به، وبذلك يكون قد دشّن عهداً جديداً في العلاقة مابين الغرب المسيحي والإسلام، لكنّها هذه المرة قائمة على مرتكز خطر، ذلك هو اختراق المشرق الإسلامي بسلاح آخر غير السلاح التقليدي، ولا يحتاج إلى القوة في المبارزة، بل كل حاجته إلى الكلمات الرشيقة والمعلومات المفيدة. وهذا ما كان يؤكّده ( بطرس ) دائماً، ففي آخر كلماته الموجّهة إلى المسلمين مخاطباً إيّاهم قائلاً: إنّني لا أهاجمكم كما يفعل كثيرون بيننا بالسلاح، إنّني أوجّه إليكم كلمات فقط بغير عنف وبتعقّل وهدوء من غير كراهية وبحبّ كبير، إنّني أحبّكم ولذلك أكتب اليكم .!( نقلاً عن مقال «الحركة الصليبية وأثرها على الاستشراق الغربي» د. علي الشامي المنشور في مجلة الفكر العربي العدد (31): 26 لسنة 1983م)
3 ـــ محاولة تشويه السنة النبوية . وقد جند أعداء الإسلام لتشويه السنة، ما جندوا من أقلام، وكتب، ومجلات، وبحوث، ويمكن تلخيص مجمل محاولاتهم لتشويه السنة بالتالي : - الادعاء بأن هناك بعض الأحاديث لا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبي صلى الله عليه وسلم . - الادعاء بأن محاولة وجود شيء في الحديث النبوي يمكن القطع بصحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم تاريخياً، محاولة فاشلة. - الادعاء بأن الفرق الإسلامية عندما اختلفت في الآراء، أخذ كل منها يضع لنفسه الأحاديث التي يؤيد بها رأيه. - الادعاء بأن الأحاديث النبوية ليست إلا سجلا للجدل الديني في القرون الأولى.
4 ـــ محاولة تشويه شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن في رسالته . قال جيري فالويل أحد القساوسة البارزين في المجمع المعمداني ( أحد مذاهب الكنيسة البروتستانتية) في مقابلة مع شبكة (سي بي إس) الأمريكية : ( إن محمداً كان رجل عنف ورجل حرب ) .وقال في مقابلة ضمن برنامج ( ستون دقيقة ) : ( أعتقد أن محمداً كان إرهابياً، لقد قرأت ما يكفي للمسلمين وغير المسلمين لكي أقرر إنه كان رجلاً عنيفاً ورجل حرب ). ونشرت محطة ( سي بي إس ) على موقعها مقتطفات من المقابلة قبل بثها قال فالويل فيها : ( في رأيي أرسى المسيح مثالاً للحب، وموسى فعل الشيء نفسه لكن محمداً ضرب المثل المناقض لهما )
5 ـــ محاولة تشويه التاريخ الإسلامي. فقد صور هؤلاء الفتوحات الإسلامية على أنها فتوحات غزو واستعمار، وأن الخلافة الإسلامية خلافة تآمر، وسفك للدماء، وغير ذلك كثير مما لا يقره عقل ولا دين.
6ـــ محاولة تشويه نظام الحياة الإسلامية، بالادعاء بأنه لا يوجد نظام للحياة معروف في الإسلام . والتهم التي وجهت إلى نظام الحياة الإسلامية كثيرة ولكن أبرزها وأخطرها:- أولاً: اتهامهم للقوانين والنظم الإسلامية بالرجعية وعدم القدرة على مواكبة ركب التحضر والتقدم. ثانياً: اتهامهم النظم الإسلامية بالمحلية والقصور والإقليمية. ثالثاً : اتهامهم لها بأنها عند التطبيق والتنفيذ، تعتمد على وحشية أو همجية أو قسوة، وبخاصة فيما يتصل بالرجم والقطع والجلد.
* ـــ أهداف الغزو الفكري :
1ـــ أن تظل الشعوب الإسلامية خاضعة لنفوذ القوى المعادية لها. تلك القوى التي تتمثل في عدد محدود من الدول الكبيرة، التي تحمي بعضها بعضاً، ويتبادل ساستها الدفاع عن المصالح، التي تهم أي طرف من أطرافها.
2ـــ أن تظل بلدان العالم الإسلامي خصوصاً، تابعة للدول الكبيرة المتقدمة، ، تبعية غير منظورة.
3 ـــ أن تنتشر ثقافة الغرب بين المسلمين .
4ـــ الحيلولة بين الأمة وبين تاريخها وماضيها وسير الصالحين من أسلافها، ليحل محل ذلك تاريخ تلك الدول الكبيرة الغازية، وسير أعلامها وقادتها.
5 ـــ أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب ، فضلاً عن أن تحل محلها أو تحاربها بإحياء اللهجات العامية أو الإقليمية، وما دام الإنسان لا يفكر إلا باللغة فإن إضعاف لغة أمة هو إضعاف لفكرها.
6ــ أن تسود أخلاق الغرب على أخلاق الأمة.
7ـــ تصوير تراث الأمة الإسلامية بصورة التخلف، وعدم قدرته على إمداد الحضارة بشيء مفيد. وأنه لم يكن له فضل على الحضارات التي جاءت بعد. 8ـــ إحياء الجوانب الضعيفة في التراث الإسلامي خاصة فيما يتعلق بالخلافات السياسية التي وقعت بين المسلمين أنفسهم، والتركيز على دعوات الحركات الباطنية، وإخراجها بصورة جميلة مضيئة، ووصف هذه الدعوات بأنها كانت تحمل فكراً عالياً، وفلسفة عميقة.
9ـــ إضعاف مثل الإسلام وقيمه العليا من جانب، وإثبات تفوق المثل الغربية وعظمتها من جانب آخر، وإظهار أي دعوة للتمسك بالإسلام بمظهر الرجعية والتأخر.
10ـــ تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان، ولم يكن العرب والمسلمون إلا نقلة لفلسفة تلك الحضارة وآثارها.
11ـــ اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين، وصرفهم عن التمسك بالإسلام نظاماً وسلوكاً.
12ـــ تفريغ العقل والقلب من القيم الأساسية، المستمدة من الإيمان بالله. ودفع هذه القلوب عارية أمام عاصفة هو جاء تحمل معها السموم عن طريق الصحافة والمسرح والفيلم والأزياء والملابس.
تيارات الغزو الفكري: لكي يحقق الغزو الفكري أهدافه من إبعاد الأمة الإسلامية عن أصالتها، وآدابها، اتخذ له منافذ متعددة، وتيارات مختلفة، قد تبدو متباينة، ولكنها تلتقي جميعها في محاربة الإسلام والمسلمين، ومن هذه التيارات والحركات: الاستشراق . / التبشير . / الصهيونية . / الماسونية . / أندية الروتاري . / العلمانية . / الليبرالية . / القوميات . / التغريب . / الحركات الباطنية كالوجودية والفوضوية والقاديانية والبهائية وغيرها . وقد استطاعت هذه التيارات أن تثبت أقدامها، وتوطد علائقها، وتقيم معاهدها، ومدارسها. ونجحت في ضم فئات مثقفة من المسلمين، وجعلتها في صفها تحارب الإسلام وثقافته. وأكثر من هذا، إن هؤلاء المثقفين صاروا يستنكرون الثقافة الإسلامية، إذا تناقضت مع الثقافة الغربية. وصاروا يستمرئون الثقافة الغربية ويعشقونها. ويتجهون في الحياة طبق مفاهيمها. والحمد لله رب العالمين.
آثار الغزو الفكري في بلاد المسلمين:
إن الملاحظ والمتتبع لمسيرة الأمة الحضارية أن الغرب قد جنى ثمار معركته الفكرية مع الأمة أول ما جنى هدمه لكيان الأمة التنفيذي ألا وهو الخلافة، وقد ميّع في نفوس المسلمين عبر تشويه متعمد صورة الخليفة والخلافة حتى إذا هدمها عام 1924م لم ثائرة الأمة ولم ينكروا على من فعل هذه الفعلة الشنعاء، ومر الأمر بهدوء وكأن شيئا لم يكن!!!
وفرخت هذه الحرب ثلة من المفكرين، جعلوا الغرب قبلتهم، ينهلون منه التصورات العقدية والفلسفية الشاذة والقيم الخُلُقية والقوانين والعادات والتقاليد، وسوقوها للأمة بكل ما أوتوا من قوة ، فظهرت آثار دعاويهم في لباس المرأة المسلمة، وفكر جمهرة العوام الذين رأوا في الغرب مثلا أعلى في السياسة والحكم والتنظيم وسن التشريعات والتقدم الاقتصادي والعلمي، وحكموا على الأمة أنها لن تتقدم ما دامت بعيدة عن نهج الغرب وفكره.
وبدت ثمار الغرب الفكرية تظهر في تصرفات الناس وحكمهم على الأشياء من خلال النظر إلى الأمور بمنظار النفعية والمادية البحتة‘ فرضوا بالحلول الوسط ، وأصبح المسلمون يحتكمون إلى الطاغوت ولا يجدون غضاضة في ذلك، ماداموا مصلين صائمين، وكأنه ليس مطلوبا منهم في الإسلام غير ذلك، وهكذا حتى عاشوا حياة الضياع ورأوا في الغرب الذي دمر عقولهم، وخرب حياتهم صديقا ومعلما ومخلصا وفيا.
شكر على جهودك وزادكم علم وفهم
ردحذفhttp://www.alkabary.net/